أصبح حوار الثقافات مطلبا أساسيا لدى مختلف الشعوب لتحقيق ثقافة التعدد والقبول بالآخر وحل النزاعات بالحوار بدلا من تشويه الآخر ومعتقداته، فاتجهت بذلك العديد من الأطراف إلى وضع أرضية أساسية لانطلاق قاعدة يتم من خلالها حوار جاد بين مختلف الأطراف.
   ومع الثورة التكنولوجية الهائلة التي حولت العالم إلى قرية كونية يشترك فيها الجميع في المعلومة ويتبادلونها بطرق سريعة وسهلة استطاعت من خلالها المؤسسات الإعلامية نقل مختلف الثقافات وفتحت المجال أمام حوار جاد يتم من خلاله تجاوز الهوة الثقافية والإقتصادية والإجتماعية ومتبعة بذلك المبدأ الذي حدده أمادو أمباتي با عندما قال " أنت تفكر مثلي إذا أنت أخي، أنت لا تفكر مثلي إذا أنت أخي مرتين لأنه بفضل الثراء الذي آخذه منك والذي تأخذه مني نبدأ في إثراء أنفسنا بشكل متبادل لنصبح بذلك إخوة مرتين"
     غير أنه ومع إيماننا الواسع بالدور الكبير الذي قد تلعبه المؤسسات الإعلامية العربية على وجه الخصوص في نقل الثقافة العربية ومحاولة بناء صورة ذهنية سليمة عن العالم العربي ورموزه الثقافية ومعتقداته وقيمه الدينية نجد من ناحية أخرى أن أغلبية هذه المؤسسات تعكف على ترجمة المضامين الإعلامية الأجنبية بغض النظر عن موافقتها لقيمنا وثقافاتنا التي بناها غيرها وسلمنا بها منذ القدم لتنقل بذلك رسالة " أنتم تفعلون ونحن أيضا بإمكاننا ذلك" وهو ما يوحي بالقبول بالآخر والرغبة الجامحة في مطالبته بالقبول بنا من خلال نقل رموزه التي لا تشبهنا بدلا من الإتجاه نحو الحوار ونقل رسالة " نحن لا نفعل ذلك لأن لدينا قيما أخرى " وتحاول بذلك توصيل هذه القيم بطريقة تتيح لهم القبول بنا مثلما قبلنا بهم وسمحنا لتسونامي العولمة بأخذنا دون أن نسأل أو على الأقل أن نحاول المواجهة بطريقة الحوار.
      غير أن التطور الكبير في مجال الإتصال في السنوات الأخيرة وتحديدا في مجال الأنترنيت سيما بعد ظهور الجيل الثاني من الأنترنيت أو ما يعرف ب web2.0 استطاعت خدمات هذا الإعلام التي أتيحت للعامة بنقل صلاحية الحوار من حيز المؤسسات الإعلامية الكبرى إلى أوساط العامة من خلال مواقع الشبكات الإجتماعية مثلا أو من خلال التدوين فظهرت بذلك طروحات جديدة في مجال الحوار مع الغرب بالإعتماد على وسائل الإعلام الجديد وتحديدا مواقع الشبكات الإجتماعية.


   فأمام تيار العولمة الجارف الذي طال حتى الرموز الثقافية والمجتمعية والقيم الدينية نجد أن الكل بات معنيا بالمساهمة في توضيح الحقائق والرد على الإفتراءات وذلك ليس من خلال شن حروب على الطرف الآخر وإنما باعتماد أسلوب الحوار الذي يتم من خلاله    توضيح حقيقة العرب وتاريخهم وأدبهم وثقافتهم وأفكارهم ومساهماتهم الرائدة في الحضارة الانسانية. ومواقع التواصل الإجتماعي التي يعرفها  بالاس(1)[1] balas 2006 على أنها "برنامج يستخدم لبناء مجتمعات على شبكة الأنترينت أين يمكن للأفراد أن يتصلوا ببعضهم البعض لعديد من الأسباب المتنوعة" تأتي اليوم حتى تضع طروحات جديدة فيما يتعلق بالحوار مع الغرب حيث أصبح بإمكان الشباب العربي أن ينقل صوته إلى الضفة الأخرى من خلال مشاركاته عبر هذه المواقع فموقع الفايسبوك على سبيل المثال الذي يعتبر واحدا من أهم مواقع التشبيك الاجتماعي، وهو لا يمثل منتدى اجتماعيا فقط وإنما أصبح قاعدة تكنولوجية سهلة بإمكان أي شخص أن يفعل بواسطتها ما يشاء، يمكن الشباب اليوم من خلق صفحات على الموقع وتبادل الآراء فيها والتعريف بالثقافة العربية والإسلامية وتحسين الصورة الذهنية لدى الغرب خاصة وأن المتأمل للواقع العربي الغربي يجده لم يعد يعيش على ذلك الرفض القاطع للإعتراف بالآخر بقدر ما ظهرت للوجود العديد من المبادرات التي تنادي بالحوار مع الآخر وفتح المجال نحو ثقافة التعدد لإثراء الثقافات وتحقيق التعايش السلمي وخلق أجواء الحوار، ففي حوار ألقاه في واشنطن في 2 حزيران يونيو 1992 صرح مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا إدوارد جيرجيان بأن[2]:
"حكومة الولايات المتحدة لا تعتبر الإسلام المذهب القادم الذي يواجه الغرب أو يهدد السلام العالمي فتلك إستجابة شديدة البساطة لواقع معقد. إن نهاية الحرب الباردة لا يتم بها استبدال منافسة جديدة بين الإسلام والغرب والواضح أن الحملات الصليبية قد انتهت منذ زمن بعيد ...والأمريكيون يعترفون بالإسلام كواحد من أعظم عقائد العالم...ونحن كغربيين نعرف الإسلام كقوة حضارية تاريخية بين القوى الكثيرة التي أثرت في ثقافتنا وأثرتها"
ولأننا اليوم بحاجة ماسة إلى سبل ناجعة للحوار مع الغرب وبناء رأي عام إيجابي ينظر للثقافة العربية والغنية والمتنوعة ويقبل بها فإنه حري بالشباب العربي أن يستغلوا التكنولوجيا التي استطاعت أن تستميلهم بشكل كبير فيما يخدم هذه الثقافة التي لها عمق حضاري يمتد إلى آلاف السنين.
نومار مريم نريمان 




[1] Wasinee Kittiwongvivat, Pimonpha Rakkanngan :facebooking your dream, Master Thesis,2010 ;p20
[2] محمد سعدي:مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة وثقافة السلام،مركز دراسات الوحدة العربية،ط1،بيروت،2006